إن رؤية عُمان 2040 هي بوابة سلطنة عمان لعبور التحديات ، ومواكبة المتغيرات الإقليمية والعالمية واستثمار الفرص المتاحة، من أجل تعزيز التنافسية والنهوض بدور فاعل في التجارة العالمية؛ لتحقيق تنمية شاملة مستدامة، تستند إلى قيادة اقتصادية فاعلة وفق سياسات وتشريعات عادلة.
بدأت رؤية عمان 2040 بتوجيهات من السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – للشروع في تطويرها وبلورتها بمشاركة مجتمعية من أجل بناء اقتصاد متنوع ومرن أقل اعتمادا على النفط، ومجتمع مزدهر ومندمج عالميا. وأُقرت هذه الرؤية مع تولي السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه – مقاليد الحكم، لتكون خارطة طريق تُمكن سلطنة عمان من التكيف مع التحولات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية، وتوجيهها نحو تحقيق التنويع الاقتصادي والاستدامة والقدرة التنافسية على المستوى العالمي. ويساهم التقدم المتنامي الذي أحرزته عُمان في إطار رؤية عمان 2040 في تعزيز شراكتها مع منظمات عالمية مثل مجموعة البنك الدولي.
وتربط سلطنة عُمان بالبنك الدولي شراكة متينة تمتد منذ عقود طويلة، وقد أثمرت هذه العلاقة عن تعاون في مجالات متعددة تتماشى مع رؤية عُمان 2040، بدءا من تحديث خطط التنمية الوطنية والميزانية العامة للدولة، وصولا إلى قطاعات النقل والثروة السمكية. وفي الوقت الحالي، يركز هذا التعاون على تحسين بيئة الاستثمار لدعم النمو بقيادة القطاع الخاص وإيجاد فرص عمل. ويسهم البنك الدولي في نقل خبراته العالمية ونصائحه بشأن أفضل الممارسات في تطوير بيئة الأعمال بما يتناسب مع توجهات سلطنة عُمان. كما أعلنت مؤسسة التمويل الدولية مؤخرا - الذراع المعني بالقطاع الخاص في مجموعة البنك الدولي- عن استثمارات جديدة لدعم سوق التمويل المستدام في عُمان وتمكين القطاع الخاص. وفي السياق ذاته، نجحت الوكالة الدولية لضمان الاستثمار- وهي الجهة المعنية بضمانات الاستثمار ضمن البنك الدولي- في تأمين تمويل تجاري بقيمة 1.2 مليار دولار لمشروعات البنية الأساسية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم.
ويعد التنويع الاقتصادي وبناء الاقتصاد القائم على المعرفة والتكنولوجيا هدفا أساسيا من أهداف رؤية عمان 2040، وذلك من خلال الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتشجيع البحث والتطوير واحتضان صناعات جديدة. وقد تم تنفيذ إصلاحات تنظيمية كبرى لتحفيز نمو القطاع الخاص واستقطاب الاستثمارات الأجنبية. فعلى سبيل المثال ، دخل قانون استثمار رأس المال الأجنبي الجديد حيز التنفيذ في عام 2020، حيث ألغي متطلبات الحد الأدنى لرأس المال، وسمح بالملكية الأجنبية الكاملة في العديد من القطاعات، وتعد هذه الإصلاحات محورية في جذب الاستثمارات وتعزيز دور القطاع الخاص، بما يتماشى مع مستهدفات الرؤية.
تستفيد سلطنة عمان من موقعها الجغرافي الاستراتيجي لتكون مركزًا لوجستيًا وتجاريًا عالميًا، من خلال وجودها خارج مضيق هرمز وعلى خطوط التجارة الدولية. فقد أولت اهتمامًا كبيرًا بتحديث الموانئ والمناطق الحرة والمطارات. ويُعد تطوير المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، إلى جانب تحسينات موانئ صلالة وصُحار، دليلًا على هذا التوجه. وتهدف هذه الاستثمارات إلى تسهيل تدفق السلع وتعزيز مكانة عُمان كلاعب رئيسي في سلاسل الإمداد العالمية.
وقد بدأت نتائج التحول الاقتصادي تظهر بوضوح؛ إذ تسجل القطاعات غير النفطية كالصناعات التحويلية والنقل والبناء معدلات نمو متسارعة تظهر من خلال المشاريع الاقتصادية والتنموية المتوزعة على مختلف محافظات سلطنة عمان .
وتُعد التنمية المستدامة مبدأً رئيسيًا في رؤية عُمان2040، ويبرز قطاع الثروة السمكية كمثال ناجح ضمن هذا التوجه. إذ تحوّل هذا القطاع من صناعة تقليدية إلى قطاع يعتمد على التكنولوجيا، ويُسهم فعليًا في التنويع الاقتصادي. وتهدف توجهات قطاع الثروة السمكية وتربية الأحياء المائية الذي أعدتها الحكومة بمساندة من البنك الدولي إلى تفعيل قطاع ربحي بمستوى عالمي ومستدام بيئيًا يُسهم بفعالية في الناتج المحلي. وتشير البيانات إلى نمو القطاع بنسبة 7.5% خلال الثلاثة أرباع الأولى من عام 2024، مع طموحات للوصول إلى نمو سنوي بنسبة 10%، والمساهمة بنسبة 2% في الناتج المحلي الإجمالي.
وتُولي الرؤية اهتمامًا كبيرًا بتطوير رأس المال البشري،بدءا بتطوير النظام التعليمي من خلال مواءمة المناهج مع احتياجات سوق العمل المستقبلية، وتحسين جودة التعليم في جميع المراحل. وتطمح عُمان إلى دخول قائمة أفضل 20 دولة في مؤشرات التعليم العالمية بحلول 2030، وأفضل 10 بحلول 2040. وقد شهدت البنية الأساسية للتعليم توسعًا ملحوظًا؛ إذ ارتفع عدد المدارس الحكومية من 3 فقط في عام 1970 إلى أكثر من 1200 مدرسة في الوقت الحالي.
ويركز التعليم حاليًا على تعزيز مخرجات التعلم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لبناء اقتصاد معرفي. وتعمل عُمان في الوقت نفسه على ترسيخ ثقافة البحث والابتكار، حيث أطلقت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار برامج جديدة لتمويل البحوث وتحويل الأفكار إلى منتجات قابلة للتسويق. وتم إنشاء مجمعات للابتكار وحاضنات أعمال بالتعاون مع القطاع الخاص لاحتضان المشاريع الناشئة وتحويل مشاريع الطلبة إلى منتجات تجارية. كما يحصل رواد الأعمال الشباب على دعم من خلال مبادرات تمويل وتدريب بالشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.
وتلعب هذه الشراكات دورًا مهمًا في بناء منظومة الابتكار، حيث تتعاون شركات التكنولوجيا مع الكليات العُمانية على إطلاق برامج متخصصة في قطاع البرمجة، بينما تستثمر شركات الطاقة في مراكز التدريب التقني.
تترجم هذه الجهود في النشاط المتزايدًا في قطاع الشركات الناشئة في مسقط، وارتفاع عدد الشركات العُمانية الصغيرة والمتوسطة العاملة في المجال التكنولوجي. وبالمقابل تم تحديث سياسات العمل في 2023–2024 لسوق أكثر مرونة تشمل مزايا إضافية للنساء العاملات، والتشجيع على توظيف العُمانيين في القطاع الخاص. وتتميز تركيبة السكان في سلطنة عمان بأن 64% منهم تحت سن الثلاثين، لذا فإن جميع هذه السياسات تهدف إلى استثمار الطاقات الشابة وتجهيزهم بالمهارات اللازمة للابتكار.
تم إنشاء وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040 بموجب المرسوم السلطاني100/ 2020 لضمان متابعة تنفيذ الرؤية، حيث تعمل تحت إشراف مباشر من مجلس الوزراء. وتضطلع الوحدة بدور محوري في متابعة تنفيذ أهداف ونتائج ومؤشرات الرؤية، وتوفير بيئة محفزة لتحقيق الرؤية، ومساندة الجهات المعنية بالتنفيذ وتعزيز الشراكة بين مختلف الجهات.
إن تحقيق رؤية عمان 2040 يتطلب التزامًا متواصلاً، وقدرة على التكيّف مع المتغيرات المحيطة، وتعاونًا فعالًا مع الشركاء الدوليين. وتُعد مسيرة عُمان نحو تحقيق رؤية 2040 نموذجًا يمكن الاستفادة منه من قِبل الدول الأخرى الساعية إلى تحقيق التنويع الاقتصادي، والاستدامة، والتكامل مع الاقتصاد العالمي .
انضم إلى النقاش